شغب الملاعب.. إلى متى؟ !

ما السبب وراء تفشي شغب الملاعب في  المغرب؟ ولماذا يرتبط هذا الشغب برياضة كرة القدم فقط؟ و إذا كان المبدأ يقضي بأن لكل مشكلة حل مناسب، فما هو الحل لشغب الملاعب؟ و إن كان الحل الوحيد هو التخلي عن رياضة كرة القدم المغربية؟ فهل هو قابل للتطبيق أم أنه مستبعد؟ كلها أسئلة تتكرر مع كل مباراة لكرة القدم و خاصة إذا تعلق الأمر ب "الديربي"، إذ و مهما كرست الدولة مختلف أجهزتها الأمنية لكي تحول دون وقوع شغب عقب كل مباراة لكرة القدم إلا ووجدت تلك الأجهزة نفسها عاجزة كل العجز أمام بحر هائج من الشباب يأتي على كل ما يصادفه، فيكسر و يضرب و يصرخ تحت ذريعة الحزن إن خسر فريقه أو الفرح إن فاز. فينقسم الناس لنوعين خلال كل مباراة؛ نوع أول يبقى في بيته خوفا من الشغب، فيأخذ كل احتياطاته لأن لا يكون خارج أسوار منزله أثناء وبعد المباراة، ونوع ثاني تجده متلهفا لدخول الملعب غير عابء بوجود الشغب أو غيابه فيأخذه الحماس و يحضر معه زوجته و أولاده مرتدين قميص فريقهم و متجاهلين كل شيء عدا المباراة .
إن رياضة كرة القدم هي رياضة شعبية بامتياز، وهذا مايجعل جمهورها مختلط يجمع المثقف و الجاهل، الكبير والصغير، العاقل والمتهور، فيختلط الحابل بالنابل و يصبح الملعب ساحة معركة. إذ تبدأ المباراة ومعها الهتافات و الأناشيد التشجيعية، ثم تنتهي ليبدأ الجحيم؛ كراسي تتكسر، نساء تصرخ، ملابس تتمزق، و الكثير من الهلع. فيجرح البعض و يموت البعض الآخر، ويصدم الأطفال، و تهلع النساء و يصبح الملعب خرابا، نحزن و نعلن تضامننا مع أهالي الضحايا و نستنكر حال كرة القدم في بلادنا، و ندعوا إلى الضرب بعصى من حديد على يد كل من سولت له نفسه أن يشارك في الشغب، و نقيم الأرض ولا نقعدها،ثم لا نجد حلولا نهائية فننسى و نكمل حياتنا في انتظار إعادة نفس السيناريو في المباراة القادمة.
كيف يعقل أن نبحث عن حل لمشكل لا نعرف السبب وراءه؟ أوليس الحري بنا أن نقاطع سياسة الحلول الترقيعية والمؤقتة و نبحث عن الأسباب لنعالجها؟ إن الحل يكمن في التربية قبل التعليم، تربية يتقاسم مسؤوليتها كل من الأسرة و المدرسة، فإن علمت الأسرة أبناءها احترام الآخر وتقبل الاختلاف ، و إن علم المعلم تلاميذه مفهوم الحق و والواجب ووضح لهم نسبية الحرية لم نكن لنعرف شغب الملاعب اليوم. أولم يقل أمير الشعراء" إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا".


إن هذا الشغب ليس إلا انعكاس لبنية مجتمعية هشة الأساس، فمرحلة الطفولة التي يبني خلالها الإنسان شخصيته و يكتسب طباعه، هي نفسها المرحلة التي نمر عليها مرور الكرام، إذ نربي أولادنا بالضرب و القمع و نعلمهم ثقافة "ممنوع" و "حشومة" و "عيب"دون أن نشرح لهم سبب المنع، فيخضعون على مضض لما أمليناه، منتظرين أقرب فرصة لاختبار الممنوع وتفريغ الكبت الذي خلفته ثقافة المجتمع.


إن منع رياضة كرة القدم ليس سوى تأكيد واضح على عجزنا أمام إصلاح الأساس فنكتفي بمنع الضرر،لنتجاهل حقيقة أن هذا العنف في الملاعب ليس سوى تجمع لأشكال عديدة من الشغب نسمع بها أو نراها كل يوم دون أن تثير انتباهنا، فالسرقة و القتل، و التهديدو غيرها من التجاوزات كلها أوجه لنفس العملة "الشغب"، فإفراغ الملاعب إذن ليس حلا للشغب و إنما هو تمويه لا غير و اكتفاء بأقل الأضرار بدل درء الضرر كله.

تعليقات

المشاركات الشائعة